dimanche 13 décembre 2015

قانون الجمعيات في تونس: هل يفسد الإرهاب ما أتت به الثورة؟


أنيس الوهابي – خبير في الجمعيات

لقد برهن المجتمع المدني التونسي على دوره الفاعل على الصعيد الإجتماعي والثقافي والسياسي وعلى قدرته على الضغط والتأثير على المطالب الشعبية وتحريك الرأي العام على غرار كل المجتمات المتقدمة أو التي تصبوا إلى ذلك.
مثلت الجمعيات محركا فاعلا في كل التحركات الإجتماعية وكانت درجة تطورها مقياسا لتطور المجتمعات إعتمادا على دورها المؤكد في تأكيد دور الفرد والجماعة في دعم المؤسسات المدنية ومعاضدة مجهود الدولة في عديد المجالات.
تلعب الجمعيات أيضا دورا هاما في نشر ثقافة الحوكمة الرشيدة والشفافية المالية وحسن التصرف وهي بادئ ذي بدئ ملزمة باحترام هذه المبادئ داخلها في تأسيسها وهيكلتها وكافة أنشطتها.
في هذا الإطار، مثل المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المتعلق بتنظيم الجمعيات طفرة نوعية من أجل تكريس مبادئ الحرية والمسؤولية. حيث يعلن هذا المرسوم من فصله الأول التزام الدولة بضمان "حرية تأسيس الجمعيات والانضمام إليها والنشاط في إطارها وإلى تدعيم دور منظمات المجتمع المدني وتطويرها والحفاظ على استقلاليتها".
إن الحرية التي يعلنها هذا المرسوم تتعدى مستوى إعلان المبادئ إلى تكريسها بصفة عملية بدءا بتيسير إجراءات تكوين الجمعيات، مرورا بتأكيد حرية الانضمام إليها، وصولا إلى فتح المجال واسعا لمؤسسيها وأعضائها لتحديد طرق تنظيمها وتسييرها دون تقييد. ذلك يؤكد على رغبة المشرع في تحميل المجتمع المدني دوره كاملا لكنه يحمله في نفس مسؤولية حسن التنظيم والتسيير.
وجب على الجمعيات إذن اعتماد طرق علمية للتنظيم المادي والإداري تمكنها من متابعة أنشطتها وترشيدها ومراقبتها وتقديم المعلومات الضرورية لهياكل القرار فيها ولسائر المؤسسات ذات العلاقة عبر وضع آليات ناجعة لمعالجة المعلومة المالية والإفصاح حولها.
يعد اليوم النسيج الجمعياتي حوالي 000 18 جمعية منها 000 7 جمعية تكونت بعد 2011 وهي الأنشط. مما يشكل تطورا كميا هاما من حيث العدد وطبيعة الأنشطة. إلا أن الوضعية الحالية تشكو من عدة نقاص من بينها غياب نظام جبائي خاص بالجمعيات وضعف انخراط الجمعيات في المنظومة الجبائية وعدم توفر نظام محاسبي خاص بالجمعيات وضعف احترام واجبات الاشهار والإعلام.
أما من حيث الممارسة، فإن ضعف منظومة الرقابة والتأطير للجمعيات كانت سببا في ظهور بعض المخاطر مثل وجود شبهات حول علاقة الجمعيات ببعض الأحزاب أو تورط بعض الجمعيات في ظاهرة الإرهاب.
رغم التحذيرات التي أطلقها بعض العارفين بالمجال الجمعياتي منذ صدور مرسوم 2011-88 فإن الاهتمام بشبهة العلاقة بين بعض الجمعيات والإرهاب لم يبدأ إلا في أواخر حكومة مهدي جمعة، حيث تم حينها الإلتجاء لقوانين أمنية من أجل إيقاف نشاط بعض الجمعيات المشبوهة بقرارات من الولاة. بعد أن جربت تلك الحكومة ضعف المرسوم المنظم للجمعيات، في ما يخص الرقابة والجزر، مع مسألة حل روابط حماية الثورة.
رغم اقتناعنا بضرورة تغيير مرسوم الجمعيات بقانون جديد أكثر احكاما، فإن أصابع الاتهام المتجهة اليوم إلى الجانب التشريعي تتناسى عديد الأسباب الأخرى التي أدت إلى وضعية التسيب الحالية، من ذلك قصور الثقافة القانونية والمالية لدى الفاعلين في المجتمع المدني وعدم توفير الأطر والمؤسسات والموارد البشرية والمادية لتأطير الجمعيات وغلبة البعد السياسي على المدني في ممارسات أقطاب الفاعلين الاجتماعيين.
وضع مرسوم الجمعيات في قفص الاتهام دون الاستقصاء عن الأسباب الأعمق لحالات التسيب والانحراف لن يؤدي إلا إلى التضحية بالبعد التحرري الذي كرسه المرسوم والذي يعد أحد مكاسب الثورة التي نراها تتآكل يوميا برجوع الأنظمة القديمة.
بل إننا اليوم نلاحظ عودة ممارسات الرقابة البيروقراطية، حيث لم يعد ارسال ملف تكوين الجمعية برسالة مضمونة الوصول كافيا بل وجب انتظار وصل الإعلام بالبلوغ الذي لم يعد يسترجع آليا. وترفض حاليا مصالح المطبعة الرسمية قبول أي اشهار لا يحمل ختم مصالح الكتابة العامة للحكومة. كما لاحظت عديد التدخلات في صياغة القوانين الأساسية التي أرادها المرسوم حرة للقطع مع النموذج الأوحد لقانون الجمعيات القديم.
وبذلك فإننا نوصي بـ:
·       تطوير المرجع القانوني (مرسوم 2011-88) لتدعيم وسائل التأطير والرقابة للجمعيات وخاصة عبر بعث مرصد وطني وتحديد المسؤوليات المالية صلب الجمعيات.
·       تنظيم عملية المصادقة على القوائم المالية والإشهار المالي
·       الإسراع بوضع نظام محاسبي خاص بالجمعيات يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات نظامها وأنشطتها،
·       إيجاد آليات للتكامل بين أجهزة الرقابة : مراقب الحسابات، دائرة المحاسبات، المصالح الأخرى للرقابة الحكومية)
·       وضع نظام جبائي خاص ومبسط يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات الجمعيات وطبيعة أنشطتها.
·       تدعيم منظومة التصرف الإداري والمالي للجمعيات من أجل فرض احترام الواجبات القانونية (التسجيل الجبائي، التسجيل لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، مسك السجلات القانونية، مسك محاسبة وفق النظام المحاسبي للمؤسسات، اعتماد تحويلات أو شيكات بنكية أو بريدية إذا ما تجاوزت قيمة أي معاملة مالية مبلغ 500 دينار) وتفعيل شروط الانتفاع بالتمويل العمومي.

·       تشديد الرقابة  على واجبات الإفصاح المالي.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire